آدم هنية
على الرغم من عودة كتابات الاقتصاد السياسي إلى الظهور في أعقاب انتفاضات عام 2011، إلّا أن الشرق الأوسط كان غائباً، إلى حدّ كبير، عن النقاشات النظريّة العامّة المُتعلّقة بالطبقيّة وتكوّن الطبقات. بهذا المعنى، إنّ الاهتمام الوثيق بالمنطقة، على الصعيدين التجريبي والنظري، لديه القدرة على توليد رؤى جديدة في عمليّة تكوّن الطبقات على النطاق العالمي. بالنسبة إلى مجال دراسات التنمية، يطرح الشرق الأوسط سلسلة من الأسئلة المُهمّة عن كيفيّة ارتباط الطبقيّة بتجارب الفقر وانعدام المساواة والتهميش السياسي والاقتصادي. في هذه المدوّنة، سوف أعاين المقاربات الماركسيّة لطبقيّة التنمية واقتصادها السياسي، بالإضافة إلى الآثار المُترتبة عنها على دراسة الشرق الأوسط راهناً.
حالة المجال اليوم
تشمل دراسة الاقتصاد السياسي للتنمية (Veltmeyer وBowles، 2021) مجموعة متنوّعة من التقاليد النظريّة المُختلفة، بدءاً من الاقتصاد النيوكلاسيكي والمؤسّسي السائد وصولاً إلى الأساليب الأكثر نقديّة، التي ينطوي كلّ منها على مجموعة من الافتراضات الأساسيّة عن أداء الاقتصاد العالمي والعلاقة بين البلدان الأفقر والأكثر ثراءً، والتي بناءً عليها، يجري الدفاع عن سياسات مُختلفة تهدف إلى تعزيز الرفاهية الاقتصاديّة وتحقيق نتائج اجتماعيّة أفضل. يتخذ الإطار الماركسي الطبيعة المُتضاربة والاستغلاليّة والمتناقضة للتطوّر الرأسمالي كنقطة انطلاق. منذ الأزمة الماليّة العالميّة في 2008-2009، تجدّد الاهتمام بالنظريّات الماركسيّة كوسيلة لشرح الأزمات المُتعدّدة، سواء الاجتماعيّة أو السياسيّة أو البيئيّة، التي تواجه العالم. مع ذلك، تُعدُّ الماركسيّة أكثر من مجرّد مجموعة نظريّات مُجرّدة عن كيفيّة عمل العالم. في الواقع، لقد أصرّ ماركس نفسه على الوحدة التي لا تنفصل بين النظريّة والممارسة، بحجّة أنّ الفهم الفعلي للعالم لا يتمّ إلّا من خلال المشاركة الفعّالة في تغيير ظروفنا الاجتماعيّة.
تُعتبر الطبقيّة المفهوم التنظيمي الرئيسي في الاقتصاد السياسي الماركسي، الذي يُفسّرها على أنّها تعبير عن العلاقات التي يشكّلها الناس فيما بينهم في عمليّة إنتاج احتياجات المجتمع. وهو ما يختلف عن الطريقة التي يُنظر بها إلى الطبقيّة عادةً في المناهج الاجتماعيّة النموذجيّة، باعتبارها فئة من فئات الدخل على سبيل المثال أو مجموعة من الأشخاص الذين يقومون بنوع العمل نفسه (Camfield، 2020). يتميّز المجتمع الرأسمالي بالملكيّة الخاصّة لوسائل الإنتاج الاجتماعي ومنتجاته. من هنا، يكمن التقسيم الطبقي الأساسي بين الذين يمتلكون وسائل الإنتاج (الرأسماليون)، والذين ليس لديهم أي خيار سوى بيع قوّة عملهم من أجل تلبية احتياجاتهم في السوق (العمّال). يستمدّ الرأسماليون أرباحهم من القدرة على إجبار العمّال على إنتاج سلع يُمكن بيعها بسعر أعلى من كلفة إنتاجها (Saad-Filho، 2003). وبالتالي، بدلاً من اعتبار الملكيّة الخاصّة والمصالح الخاصّة حالات طبيعيّة، أكّد ماركس (1861) أنّها محدّدات اجتماعيّة "تتحقّق فقط في ظل الشروط التي وضعها المجتمع، وبالوسائل التي يوفرها المجتمع. وبالتالي، هي مُلزمة باستنساخ هذه الشروط والوسائل". بعبارة أخرى، الطبقيّة هي علاقة اجتماعيّة دائمة، تنشأ وتتجدّد وفق عمليّات مستمرّة من التراكم والصراعات.
من هنا، إنّ تركيز ماركس على العلاقات الاجتماعيّة للطبقيّة هو وثيق الصلة بدراسة الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط المُعاصر. على مدى العقود القليلة الماضية، ظهرت فوارق كبيرة ومستمرّة في الملكيّة والسيطرة على الثروة في المنطقة، بالتوازي مع معدّل بطالة مرتفع باستمرار، ونسبة فقر مُتزايدة، ومستويات عالية من نزع الملكيّة في المناطق الريفيّة - استمرّت شريحة صغيرة من سكّان المنطقة في الازدهار. قدّمت الخصخصة وفرص السوق الجديدة فرصاً مربحة لمجموعات الأعمال النافذة والمُنخرطة في مجالات مثل التجارة والتمويل والمضاربة العقاريّة. أيضاً، امتلكت نخب الدولة والجيوش قوة اقتصادية كبيرة، وأقامت شبكة من العلاقات شديدة الغموض مع مجموعات رأس المال الخاصّ (Marshall وStacher، 2012). استمرّت هذه الأنماط من انعدام المساواة من خلال الحكم الاستبدادي وقمع الدولة. في الواقع، من المستحيل فصل الهياكل السياسيّة الاستبداديّة في المنطقة عن سياسات (ونتائج) نماذج التنمية المدفوعة بالسوق المُطبّقة منذ الثمانينيات.
أظهرت دراسة حديثة (Alvaredo وآخرون، 2018) أنّ منطقة الشرق الأوسط هي الآن المنطقة الأكثر تفاوتاً في العالم، إذ يستحوذ الـ10% الأعلى دخلاً على 64% من مجمل الدخل، بالمقارنة مع 37% في أوروبا الغربيّة، 47% في الولايات المتّحدة و55% في البرازيل. تزداد الصورة فظاعة عند معاينة تركّز الدخل لدى السكّان الأكثر ثراءً في المنطقة، بحيث يستحوز الـ1% الأغنى على 30% من مجمل الدخل في الشرق الأوسط، بالمقارنة مع 12% في أوروبا الغربيّة، و20% في الولايات المتّحدة، و28% في البرازيل، و18% في جنوب إفريقيا، و14% في الصين و21% في الهند. تبرز هذه المستويات غير المسبوقة من انعدام المساواة على المستوى الإقليمي بين الدول الغنية في الخليج وبقية دول الشرق الأوسط، وأيضاً داخل البلدان بين مواطني البلد الواحد والمقيمين فيه.
قراءات نقديّة أساسيّة في المجال
1.
تصوّر العلاقات الطبقيّة والاجتماعيّة
يقدّم كلّ من Henry Veltmeyer وPaul Bowles لمحة عامّة عن مفهوم الطبقيّة وأهمّيته في دراسات التنمية في فصل "Development: Class Matters" (التنمية: مسائل طبقيّة)، من كتاب "The Essential Guide to Critical Development Studies" (الدليل الأساسي لدراسات التنمية النقديّة). لمزيد من النقاشات عن مفهوم ماركس للطبقيّة والعلاقات الاجتماعيّة، يمكن الإطلاع على Ollman, B. (2003)؛ Sayer, D. (1987)؛ Smith, D.E. (2004)؛ وMcNally، David (2015). يُعتبر فهم العلاقة بين الطبقة والعرق والجندر والأشكال الأخرى المعرّضة للقمع الاجتماعي جزءاً مهمّاً من النقاشات المعاصرة عن الطبقيّة. للمزيد عن الموضوع يمكن الإطلاع على Davis, A.Y. (1983)؛ Bannerji, H. (2005)، Roediger, D. (2017)؛ Bhandar B وZiadah, R. (2020).
2.
تكوّن الطبقيّة والدول القوميّة والعولمة
هناك نقاش مُكثّف عن طبيعة تكوّن الطبقة الرأسماليّة اليوم، لا سيّما في سياق العولمة وتدفّقات رأس المال واسعة النطاق عبر الحدود. يجادل بعض المؤلّفين بأنّ الطبقات الرأسماليّة "عابرة للحدود الوطنيّة" حالياً، بينما يصرّ آخرون على الطابع القومي للتكوّن الطبقي. للاطلاع على وجهات نظر مُختلفة عن هذا الموضوع ، يمكن العودة إلى Davidson, N. (2012)؛ Burnham, P. (1997)؛ Bonefeld, W. (2008)؛ Harvey, D. (2003)؛ Robinson, W.I. (2004)؛ Panitch L. وGindin, S. (2012). للإطلاع على تحليل للتكوّن الطبقي في الشرق الأوسط، مع التركيز على آثار الرأسماليّة الخليجيّة العابرة للحدود، يمكن العودة إلى Hanieh, A. (2018).
3.
النيوليبراليّة والطبقيّة والتنمية
تتعلّق إحدى القضايا الرئيسيّة في دراسة الاقتصاد السياسي للتنمية بتأثير النيوليبراليّة على الهياكل الطبقيّة في الجنوب العالمي. تقدّم المجموعة المُحرّرة، The Political Economy of Development: The World Bank, Neoliberalism and Development Research (الاقتصاد السياسي للتنمية: البنك الدولي، النيوليبراليّة وبحوث التنمية)، لمحة عامّة جيّدة عن هذه النقاشات، مع التركيز على تاريخ البنك الدولي وتطوّره. يمكن العثور على المزيد من الكتابات النقديّة عن النيوليبراليّة والتفكير التنموي السائد في Milonakis, D. وFine, B. (2013)، Carroll, T.، R. Gonzalez-Vicente وD.S.L. Jarvis (2019(؛ Harvey, D. (2007)؛ وFine, B. وSaad-Filho, A. (2017).
4.
العمّال والعمل والاقتصاد السياسي للتنمية
تركِّز المقاربات المُهيمنة على الاقتصاد السياسي للتنمية على تراكم رأس المال كشرط ضروري للنموّ الاقتصادي ونتائج التنمية المتينة. كتاب The Struggle for Development (الكفاح من أجل التنمية) لـ Ben Selwyn، الصادر عن Cambridge: Polity (2017)، يدعو إلى "مقاربة تركِّز على العمل في التنمية"، حيث يُفهم نضال الطبقات العاملة على أنه يقدّم مقاربة بديلة (وأفضل) للتنمية. يمكن العثور على مزيد من النقاشات عن الطبيعة المُتغيرّة للعمّال والعمل والنضال في التنمية في: Wood, E. M. (1998)؛ Standing, G. (2011)؛ Silver, B. J. (2003)؛ وFederici, S. (2008).
5.
الهجرة وتكوّن الطبقيّة
تُعدُّ الهجرة جزءاً أساسياً من تكوّن الطبقيّة اليوم، وتؤثّر بشكل كبير على الاقتصاد السياسي للتنمية. يمكن العثور على تقارير عالميّة عن الهجرة والطبقيّة والتنمية في Castles, S. وDelgado Wise, R (eds.) (2008). تبرز مساهمات إضافيّة تعالج هذه الأسئلة منها: Mezzarda, S. وNeilson, B. (2013)؛ Hanieh, A. (2018b)؛ Ferguson, S. وMcNally, D. (2014)؛ Walia, H. (2021)؛ وVirdee, S. (2014).
أين نذهب من هنا؟
في هذا السياق، تطرح المقاربات الماركسيّة لدراسة الطبقيّة أسئلة تساعدنا في نقد الفهم التقليدي للتنمية وتحدّيه. من ضمن هذه الأسئلة: كيف تظهر طبقات رأس المال والعمل، وكيف ترتبط ببعضها البعض؟ من الذي يشكّل الطبقات الرأسماليّة في الشرق الأوسط، وكيف تتمّ هيكلة تراكمها؟ ما هي خصائص المراحل المُختلفة لتراكم رأس المال (الإنتاج، وتبادل السلع، والتمويل، وغيرها...)، وكيف ترتبط ببعضها؟ ما هي أنواع العمل المختلفة في الشرق الأوسط، وكيف ترتبط بهيمنة رأس المال؟ كيف تتوسّط الأشكال والمؤسّسات السياسية - مثل الدولة والجيش - في علاقات القوّة هذه؟ إنّ التفكير في هذه الأسئلة يقدّم العديد من الأفكار عن الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط، ويساعد على تجاوز الإطار النموذجي للتنمية (الذي تقدّمه مؤسّسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، بحيث تفسّر مشاكل المنطقة ربطاً بقطاع خاصّ ضعيف، وأسواق متخلّفة، والآثار الخانقة للاستبداد.
مع ذلك، هناك مجموعة من القضايا النظريّة والنقاشات التي يجب أخذها في الاعتبار عند التفكير في تكوّن الطبقيّة في الشرق الأوسط. وهنا، أبرز ستة أسئلة رئيسيّة على وجه الخصوص:
1. لا يعني التركيز على الطبقيّة عدم وجود انقسامات أخرى داخل مجتمع معيّن. تكوّن الطبقيّة هو عمليّة تشمل البشر الحقيقيين، ما يعني أنّ الأسئلة عن الجندر والعرق والعمر والأصل القومي والعرقي ووضعيّة المواطنة وغيرها، هي جزء ممّا يشكل الطبقيّة بوصفها علاقة اجتماعيّة ملموسة. تعيد الرأسمالية إنتاج الانقسامات والاختلافات ضمن الطبقة العاملة باستمرار (Roediger، 2017)، ما يضعف قدرة العمّال على النضال. بهذا المعنى، الطبقيّة ليست فئة مجرّدة من الخصوصيّة والاختلاف، بل الاختلاف ضروري لكيفيّة فهمنا لها. لاحظ David McNally (2015)، بالاعتماد على رؤى المُنظّر الكندي Himani Bannerji، أنّنا نحتاج إلى تجنّب مقاربة ترى "الأشكال المختلفة للقمع الاجتماعي على أنّها علاقات اجتماعيّة مُنفصلة ومُستقلة، بدلاً من كونها علاقات وأشكال اجتماعيّة تنشأ فيما بينها ومن خلال بعضها البعض". من هذا المنظور، يتمّ التركيز على فهم كيفيّة وجود هذه العلاقات وتغيّرها. والأهمّ من ذلك، مشاهدة العالم عبر
فهم هذه العلاقات كجزء ممّا يشكّل الفئات فعلياً ومن ضمنها الطبقات (Camfield، 2016).
يجب أنّ يعترف تحليل الطبقيّة بهذه الاختلافات ويعاينها. في الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يتبيّن أنّ طبيعة الطبقة العاملة مجندرة بطرق خاصّة جدّاً؛ تهميش المرأة في المشاركة في القوى العاملة، واستبعاد الخريجات الجامعيّات، وتأنيث أنواع معيّنة من العمل (مثل قطاعات الملابس في المغرب وتونس، والزراعة في معظم أنحاء المنطقة، والعمل المنزلي)... تتشكّل الطبقيّة أيضاً من خلال التحرّكات العميقة للأشخاص عبر الحدود وداخلها (أنظر النقطة رقم 3 أدناه)، وبالتالي تتميّز بالاختلافات على المكانة والمواطنة (Khalaf، AlShehabi وHanieh، 2015). إنّ تقدير كلّ هذه العوامل المميزّة ضروري لفهم كيفيّة عمل الطبقيّة في المنطقة.
2. من المهمّ تذكّر أنّ الدول القوميّة ليست مجموعات علاقات اجتماعيّة مُحدّدة بدقّة. يتمّ دمجها دائماً داخل (وتساعد على تكوّن) دوائر التراكم الإقليميّة والعالميّة. لهذا السبب، نحتاج إلى الابتعاد عن التحليلات "القوميّة المنهجيّة"، التي تفترض وجود الطبقات كهياكل وطنيّة منفصلة وملموسة مُرتبطة بالدولة. تناول عملي الخاصّ (Hanieh، 2018)، على سبيل المثال، تدويل رأس المال من دول الخليج العربي خلال العقود الأخيرة. على المستوى الإقليمي، كان توسّع رأس المال الخليجي عبر الحدود يعني أنّ مجموعات الأعمال الخليجيّة أصبحت مُنخرطة بشكل وثيق في ملكيّة رأس المال والسيطرة عليه في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما فيها قطاعات العقارات، والتنمية الحضريّة، والأعمال الزراعيّة التجاريّة، والاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة، وتجارة التجزئة، والخدمات اللوجستيّة، والبنوك، والتمويل. بالنظر إلى هذا الاستيعاب الكبير لرأس المال الخليجي في الهياكل الطبقيّة للدول العربيّة الأخرى، لم يعد بإمكاننا افتراض أنّ الأنشطة التجاريّة لرساميل "وطنيّة" مُختلفة تحصل في الغالب في أسواقها المحلّيّة، أو أنّ ملكيّة رأس المال والسيطرة عليه داخل بلد قومي مُعيّن تتركّز في أيدي برجوازيّة من أصل قومي واحد. مع ذلك، لا يعني هذا الأمر تأييد مفهوم غير متبلور أو غير إقليمي لـ "رأس المال العابر للحدود الوطنيّة"، ولا إنكار الأهمّية المستمرّة للحدود الوطنيّة. لذلك، من الضروري التفكير بعمق أكبر في الآثار التي قد تحملها العمليّات العابرة للحدود عند البحث في الطبقيّة في الشرق الأوسط.
3. تنظر المقاربات الماركسيّة للاقتصاد السياسي إلى رأس المال بوصفه علاقة اجتماعيّة، لذلك من الضروري أيضاً إبراز العلاقة بين رأس المال والعمل (Silver، 2003). بعبارة أخرى، لا يمكن فهم طبقات رأس المال من دون دراسة ظروف العمل وأشكاله. بهذا المعنى، تكمن إحدى نقاط الضعف في الكثير من الأعمال على الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط، في التركيز على مركزيّة الدولة، فيما يتمّ تجاهل أو التقليل من أهمّية العمل والنضالات العمّاليّة والحركات النقابيّة. على الرغم من وجود بعض الأعمال التاريخيّة الممتازة (lockman، 1994) عن الطبقات العاملة في الشرق الأوسط، وغيرها من الدراسات الحديثة اللافتة (Beinin، 2015) عن العمل وانتفاضات 2011، إلّا أنّنا بحاجة إلى فهم أفضل لطبيعة العمالة وأشكال العمل المتنوّعة الموجودة في جميع أنحاء المنطقة اليوم. عند دراسة هذه القضايا، من المهمّ ألّا يقتصر تحليلنا على المفاهيم "التقليديّة" للعمل (أي القطاعات الصناعيّة والذكريّة والنقابيّة)، بل أنّ نأخذ في الاعتبار أيضاً ظروف العمل الأوسع، التي تضمّ العاطلون عن العمل (أصرّ ماركس على أنّ العاطلين عن العمل هم جزء من الطبقة العاملة). يُعتبر هذا الأمر مهمّ في الشرق الأوسط، نظراً إلى المستويات المرتفعة جدّاً للعمل اللانظامي وغير المستقرّ – تُعدُّ من أعلى المعدّلات في العالم - بالإضافة إلى تهميش النساء والشباب في أسواق العمل في المنطقة.
4. هناك حاجة إلى إبراز قضايا الهجرة والنزوح في كيفيّة تصوّرنا للعمل. نظراً إلى كونه المنطقة الأكثر تضرّراً من النزاعات في العالم اليوم، شهد الشرق الأوسط مؤخّراً أكبر عمليّة تهجير قسري منذ الحرب العالميّة الثانية. بالإضافة إلى الأعداد غير المسبوقة من الأشخاص الذين أُجبروا على التنقّل عبر الحدود، يقيم في الشرق الأوسط أيضاً ملايين العمّال المهاجرين (من داخل وخارج المنطقة على حدّ سواء). على سبيل المثال، أكثر من نصف القوى العاملة في دول الخليج العربي مكوّن من غير المواطنين، فضلاً عن كون هذه الدول تشغّل العدد الأكبر من المهاجرين العاملين في جنوب الكرة الأرضيّة.
تتمثّل إحدى الاستنتاجات الناشئة عن هذا الوجود المُكثّف للمهاجرين واللاجئين في الشرق الأوسط، في حاجتنا إلى توسيع مفهومنا للطبقيّة بعيداً من وجهات النظر المُعلّبة على النطاق الوطني، وبتجاوز للافتراضات التي غالباً ما تكون غير واعية وتحصر الطبقيّة بالذين يحملون الجنسيّة. الطبقة ليست مجرّد فئة مجرّدة تصف علاقة معيّنة لإعادة إنتاج رأس المال ضمن المساحات الوطنيّة، بل تنشأ على مستوى ملموس من خلال الترابط بين المساحات الجغرافيّة، وتتشكّل باستمرار من خلال تدفّقات (وتهجير) البشر عبر الحدود. بهذه الطريقة، يمكن اعتبار الهجرة والنزوح
عمليتيْ تكوّن طبقي (Hanieh، 2019). هناك حاجة إلى التفكير، من خلال فئات مثل "الطبقة العاملة"، بطرق تُدرِك ملايين الناس (في بعض الحالات غالبيّة السكّان من حاملي الجنسيّة)، الذين هم عمّال مهاجرون مؤقّتون يفتقرون إلى حقوق المواطنة، أو يعملون في المنطقة ولكنّهم نازحين من بلدانهم.
5. يجب التفكير أيضاً بالعلاقة بين الطبقيّة وتكوّن الدولة. تصوّر ماركس الدولة، لا بوصفها "شيئاً" أو مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين الفرديين، إنّما كتعبير خاصّ عن السلطة الطبقيّة. من هذا المنظور، الدولة ليست مجالاً مُنفصلاً للسياسة يتموضع بعيداً من المجال الاقتصادي؛ إنّها علاقة اجتماعيّة، أو كما يصفها Bertell Ollman (2003)، "مجموعة الأشكال المؤسّسية التي من خلالها ترتبط الطبقة الحاكمة ببقية المجتمع". إنّ العلاقة التي تربط الطبقة الحاكمة بالدولة هي في الواقع جزء ممّا يجعلها طبقة بذاتها. يجب أن يُنظر إلى الدولة والطبقيّة على أنّ كلّ منهما يعزِّز الآخر ويشترك في تكوينه، مع توفير الأخيرة شروط الوجود للأولى. تفتح هذه المقاربة العديد من الأفكار عن تنظير شكل الدولة في الشرق الأوسط. ومن القضايا التي أثيرت على سبيل المثال هي أهمّية تجنّب الخطوط الفاصلة الحادّة بين "الدولة" و "رأس المال" - فالعائلات الحاكمة وقادة الدولة المُهيمنين هم في كثير من الأحيان جزء من الطبقة الرأسماليّة الخاصة في الشرق الأوسط. بالتالي، إنّ النظر إلى أفراد الأسرة الحاكمة على أنّهم رأسماليون، وليس مجرّد قادة مُستبدين، يعيد صياغة طريقة تفكيرنا في رأس المال والدولة في المنطقة، ويربك المقاربات النموذجيّة (مثل نظريّات الدولة الريعيّة) التي تضع "الدولة القويّة" في مواجهة مجتمع الأعمال الخاصّ "الضعيف" (Beblawi وLuciani، 2016).
6. تتعلّق المسألة الحاسمة الأخيرة بالعلاقة بين المسارات العالميّة والتنمية الوطنيّة/الإقليميّة. تُعتبر الولايات المتّحدة القوّة العالمية المُهيمنة منذ الحرب العالميّة الثانية، وهو ما كان له تأثير ملحوظ على التنمية في الشرق الأوسط (خصوصاً بسبب إمدادات النفط في المنطقة). مع ذلك، من الواضح أنّ هذا الهيكل العالمي يتعرّض لضغوط راهناً، مع ظهور قوى مُنافسة وفاعلين جُدد في المنطقة (لا سيّما الصين). من هنا، تبرز الحاجة إلى مزيد من النظر في الكيفيّة التي يُمكن أن تؤدّي بها الطبيعة المُتغيّرة للرأسماليّة العالميّة إلى تشكيل عمليّات تكوّن طبقي في الشرق الأوسط (Gordon وWebber، 2019). كيف ترتبط الطبقات الحاكمة في الشرق الأوسط بالسوق العالميّة المُتغيّرة، وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى أنشطتها الإقليميّة؟ كيف نُنَظِّر لآليّات الاستغلال ونقل الثروة بين البلدان الأساسيّة الأكثر ثراءً والمناطق المحيطة الأفقر؟ ماذا يعني هذا للعمل؟ ما هي الصلة المُعاصرة للنقاشات القديمة عن الإمبرياليّة الكلاسيكيّة (روزا لوكسمبورغ ، رودولف هيلفردينغ، فلاديمير لينين، نيكولاي بوخارين...)، ومقاربات منتصف القرن العشرين للأنظمة العالميّة ونظريّات التبعيّة والمفاهيم الأحدث مثل "الإمبرياليّة الفرعيّة"؟ كيف تساعد هذه النظريّات في تفسير خصوصيّات تكوّن الطبقيّة والدولة في الشرق الأوسط؟
لا تستنفد هذه الموضوعات الستة بأي حال النقاشات الثريّة عن الطبقيّة ضمن الاقتصاد السياسي الماركسي (على سبيل المثال، الهيمنة المتزايدة للتمويل والأمولة، والنقاشات عن إعادة الإنتاج الاجتماعي، وطبيعة النيوليبراليّة، ودور الأيديولوجيا والوعي الطبقي...)، لكن، قد تكون نقطة انطلاق مفيدة لما يجب مراعاته عند "القيام" بتحليل طبقي. بالنسبة إلى المهتمين بيننا بالشرق الأوسط، يمكننا تعلّم الكثير عن المنطقة المُعاصرة من خلال الانخراط في النقاشات العلميّة الأكاديميّة الأوسع عن هذه الموضوعات
References
Alvaredo, F., Assouad, L., & Piketty, T. (2018). Measuring inequality in the Middle East 1990–2016: The world's most unequal region?
Review of Income and Wealth,65(4), 685-711. doi:10.1111/roiw.12385
Bannerji, H. (2005). “Building from Marx: Reflections on Class and Race."
Social Justice:
Race, Racism, and Empire: Reflections on Canada32, No. 4 (102). pp. 144-160.
Bayliss, K., Fine, B., & Van Waeyenberge, E. (eds.) (2011).
The Political Economy of Development: The World Bank, Neoliberalism and Development Research: London: Pluto.
Beblawi, H., & Luciani, G. (2016).
The Rentier State. London: Routledge.
Beinin, J. (2016).
Workers and thieves: Labor movements and popular uprisings in Tunisia and Egypt. Stanford, CA: Stanford University Press.
Bhandar, B. & Ziadah, R. (2020).
Revolutionary Feminisms: Conversations on Collective Action and Radical Thought. Verso.
Bonefeld, W. (2008). “Global Capital, National State, and the International."
Critique,
36 (1), pp. 63-72.
Burnham, P. (1997). “Globalisation: States, markets and class relations."
Historical Materialism,
1(1), pp. 150-160.
Camfield, D. (2016). Elements of a Historical-Materialist Theory of Racism,
Historical
Materialism,
24(1), 31-70. doi:
https://doi.org/10.1163/1569206X-12341453
ـــــــــــــــــ. (2020). The "PMC" does not exist and why it matters for Socialists. Retrieved from
https://newpol.org/the-pmc-does-not-exist-and-why-it-matters-for-socialists/
Carroll, T., Gonzalez-Vicente, R. & Jarvis, D.S.L. (2019). “Capital, conflict and convergence: a political understanding of neoliberalism and its relationship to capitalist transformation."
Globalizations,
16(6): 778-803.
Castles, S., & Delgado Wise, R. (eds.) (2008).
Migration and Development: Perspectives from the South. Geneva: IOM.
Davidson, N. (2012). “The Necessity of Multiple Nation-States for Capital."
Rethinking Marxism,
24 (1), pp. 26–46.
Davis, A. Y. (1983).
Women, race & class. Vintage press.
Federici, S. (2008). “Precarious Labor: A Feminist Viewpoint."
In the Middle of a Whirlwind.http://inthemiddleofthewhirlwind.wordpress.com/precarious-labor-a-feminist-viewpoint/.
Ferguson, S. & McNally, D. (2014). “Precarious Migrants: Gender, Race and the Social
Reproduction of a Global Working Class."
Socialist Register,
51.
Fine, B. & Saad-Filho, A. (2017). “Thirteen Things You Need to Know About Neoliberalism."
Critical Sociology,
43, 4-5: 685-706.
Gordon, T., & Webber, J. R. (2019, December). Complex stratification in the world system: Capitalist totality and geopolitical fragmentation.
Science & Society,84(1), 95-125. doi: 10.1521/siso.2020.84.1.95.
Hanieh, A. (2018a).
Money, markets, and monarchies: The Gulf Cooperation Council and the Political Economy of the contemporary Middle East. Cambridge, United Kingdom: Cambridge University Press.
-----------. (2018b). The Contradictions of Global Migration.
Socialist Register: A World Turned Upside Down?,55.
Harvey, D. (2003). The New Imperialism. Oxford, UK/New York: Oxford University Press.
-----------. (2007).
A Brief History of Neoliberalism, Oxford: Oxford University Press.
Khalaf, A., AlShehabi, O., & Hanieh, A. (2015).
Transit states: Labour, migration and citizenship in the Gulf. London: Pluto Press.
Lockman, Z. (1994).
Workers and working classes in the Middle East: Struggles, histories, historiographies. Albany: State University of New York Press.
Marshall, S., & Stacher, J. (2012, Spring). Egypt's generals and Transnational Capital. Retrieved from https://merip.org/2012/03/egypts-generals-and-transnational-capital/
Marx, K. (n.d.). Grundrisse. Retrieved from https://www.marxists.org/archive/marx/works/1857/grundrisse/
Marx, K. (n.d.). Theses on Feuerbach. Retrieved from
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1845/theses/theses.htm
McNally, D. (2015). The dialectics of unity and difference in the constitution of wage-labour: On internal relations and working-class formation.
Capital & Class,39(1), 131-146. doi:10.1177/0309816814564819
Mezzadra, S. & Neilson, B. (2013).
Border As Method, or, the Multiplication of Labor. Durham, NC, USA: Duke University Press.
Milonakis, D. & Fine, B. (2013).
From political economy to economics: Method, the social and the historical in the evolution of economic theory. Abingdon: Routledge.
Ollman, B. (2003).
Dance of the dialectic: Steps in Marx's method. Urbana, IL: University of Illinois Press.
Panitch L. & Gindin, S. (2012). The Making of Global Capitalism: The Political Economy of American Empire. London/New York: Verso.
Robinson, W. I. (2004). A Theory of Global Capitalism: Production, Class, and State in a Transnational World. Baltimore, Maryland: Johns Hopkins University Press.
Roediger, D. R. (2017).
Class, race, and Marxism. London: Verso.
Saad-Filho, A. (2003).
Anti-capitalism: A Marxist introduction. Pluto Press.
Sayer, D. (1987).
The Violence of Abstraction. Oxford: Basil Blackwell.
Silver, B. J. (2012).
Forces of Labor Workers' movements and globalization since 1870. Cambridge: Cambridge University Press.
Smith, D. E. (2004). Ideology, science and social relations.
European Journal of Social Theory,7(4), 445-462. doi:10.1177/1368431004046702
Standing, G. (2011).
The Precariat: The New Dangerous Class. London: Bloomsbury Academic.
Veltmeyer, H. & Bowles, P. (2021).
The Essential Guide to Critical Development Studies. New York, NY: Routledge.
Virdee, S. (2014).
Racism, class and the racialized outsider. Macmillan International Higher Education.
Walia, H. (2021).
Border and Rule: Global Migration, Capitalism, and the Rise of Racist Nationalism. Chicago: Haymarket Books.
Wood, E. M. (1998). “Labour, Class and State in Global Capitalism." In Wood, E. M.,
Meiksins, P. & Yates, M., (Eds.),
Rising from the Ashes? Labor in the Age of “Global Capitalism." New York: Monthly Review (pp. 3-16).