مراسم الاحتفال بالرداء الأبيض
يسرّني أن أهنئّ كل واحد منكم وأهنّئ أهاليكم في هذا اليوم المميّز الذي نحتفل فيه بحدث عظيم.
نلتقي اليوم معاُ لنحتفل بمناسبة سعيدة ملؤها الأمل والتوقّعات وللبعض منكم الرهبة. ومع دخولكم إلى عالم الطبّ الحقيقي، سوف تكتشفون الكثير من الأشياء الرائعة وتواجهون الكثير من الغموض بالرغم من تواجدنا في عصر تتطوّر فيه التكنولوجيا بشكل سريع.
تقفون هنا اليوم، متّحدين، لسببين رئيسين: أولّهما هو أداء قسَم أبقراط، القسم الذي نجح في اجتياز اختبارات الزمن، والذي إنّما وُجد لغاية معيّنة، وثانيهما هو لإلباسكم الرداء الأبيض. يرمز هذان السببان إلى مهنة لا تشبه غيرها من المهن.
عندما تُـلقون القَسَم، تقرّون أن الطبّ هو دعوة والتزام ولا علاقة له بعالم الأعمال والتجارة.
"أضع نفسي في خدمة الإنسانية، جاهداً لكي أحافظ على سمعتي الطيّبة بين الناس إلى الأبد".
تتردّد هذه الكلمات في أذهان جميع الأطبّاء منذ عهد أبقراط، "أبو الطب" .
هذا الرداء الأبيض، الذي ارتداه الأطباء في العصور القديمة لحمايتهم من الجراثيم أثناء ممارستهم لعملهم، يرمز اليوم إلى مهنة، ويُعلن على الملأ أن الطبيب سيرقى إلى مستوى التوقّعات من مهنته. فعندما ترتدونه، يتوقّع منكم الناس المعرفة، الخبرة، العناية والعطف.
هذا الرداء هو مجرّد لباس أبيض لا قيمة له إلاّ حين يرتديه الطبيب؛ فعندها يُصبح شعارة العبور . فحالما ترتدونه يتحوّل من مجرّد لباس أبيض إلى شاهد عيان على حياتكم كأطباء.
في يومكم الأول في مهنتكم يكون هذا الرداء نظيفاً ناصع البياض. وفي غير يوم يصبح مستهلكاً ومستنزفاً، ما يشهد على الساعات الطويلة التي قضيتموها بجانب سرير شخص مريض، غير قادر أن يعبّر عن امتننانه لكم.
وفي أوقات أخرى، سينكمش رداؤكم ويبهت ، شاهداً على لحظات مضنية من الصراع. سيكون هنالك أوقات يفقد فيها رداؤكم لونه ويصطبغ ببصماتٍ من حيواتٍ أخرى ، كان لكم شديد الأثر عليها ولربّما ساعدتم في إنقاذها.
وأحياناً، وعند نهاية مناوبتكم ومحاولتكم النوم، ستنظرون إلى نفس هذا الرداء المرميّ على كرسيّ ليذكّركم بما ينتظركم، فتتساءلون لماذا اخترتم هذه المهنة من الأساس.
ولكن الأيام تتغيّر. سيلمع رداؤكم يوماً بفرحة النصر عندما تنقذون حياة مريض لأول مرّة وسيبدو رثّاً في يوم آخر عندما تكونون منهكو القوى بسبب قلّة النوم واالتوتّر النفسيّ. وستمرّون بأوقات تتمنّون فيها خلع هذا الرداء الخائن وروميِه في الخزانة بعد أن تفشلون في إنقاذ حياة أحد مرضاكم؛ وتتصارعون مع المذاق الحمضي في أفواهكم ولكأن رداؤكم هو عدوّكم.
وفي الواقع، سيكتب كل واحد منكم في هذا الرداء الذي لا حياة فيه جميع قصصه وتجاربه الشخصية ليجعل منه روايته البطولية الخاصة؛ رواية أنتم أبطالها ومرضاكم ممثّلوها.
وبعد كلّ ما قيل، تبقى حقيقة أن رداءكم هو فخركم وهو رمز لشخصكم ولاختياركم لمهنتكم: الطب الإنساني.
فالبسوه بشرف واعتزاز ولكن أيضاً بتواضع.
لقد اخترتم مهنة لا تشبه غيرها. ثابروا على الدرس والبحث والتفتيش والاستفسار والإصغاء والاكتشاف، والأهم من كل ذلك، على الاهتمام. فعقولكم وقلوبكم معاً سيجعلون منكم أطبّاء جيّدين.
ومرة ثانية مبروك لكم.
خطاب الاحتفال بالرداء الأبيض (حزيران/يونيو 2007)