بيان صحافي
الشباب في الأسرة: الامتثال والتضامن
نظّم معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية (IFI) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) بالشراكة مع الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية (LAES) حلقة دراسية عبر الويب (Webinar) تحت عنوان "الشباب في الأسرة: الامتثال والتضامن"، وذلك يوم الثلاثاء 18 أيار/مايو ٢٠٢١ عند الساعة الحادية عشرة صباحًا. إنّ هذه الحلقة الدراسية هي الثانية ضمن سلسلة حلقات دراسيّة عبر الويب (Webinars) أطلقها المعهد في إطار مشروع الهيئة البحثي تحت عنوان "الشباب في المناطق المهمّشة في لبنان: جيوب الفقر اللّبنانية والمخيّمات الفلسطينيّة والتجمّعات السوريّة".
تعرض الحلقات الدراسيّة وتناقش نتائج الدراسة التي قامت بها الهيئة بإشراف د. عدنان الأمين، أستاذ العلوم التربوية في الجامعة اللبنانيّة ومُحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت، عن الشباب في المجموعات المهمّشة في لبنان والتي استغرقت ثلاث سنوات (٢٠١٨ - ٢٠٢١).
شارك في هذه الحلقة الدراسيّة كلٍّ من مُدير الدراسة د. عدنان الأمين، وأعضاء الفريق البحثي د. مايرز يونس، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللّبنانية، ود. كمال أبو شديد، عميد كلية العلوم الإنسانيّة في جامعة سيدة اللويزة، ود. غادة جوني، أستاذة التربية في الجامعة اللّبنانية. كما وشارك في النقاش د. علي الموسوي، أستاذ علوم اجتماعية في الجامعة اللبنانية وأدارت الجلسة د. ريما حبيب، أستاذة ورئيسة قسم الصحة البيئية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت.
بدأت الجلسة بكلمة افتتاحيّة لمُديرة الجلسة عرّفت من خلالها بالفريق البحثي، الذي عرض بدوره أربع أوراق تناولت نتائج الدراسة المذكورة. فقدّم د. كمال أبو شديد، نتائج بحثه عن الشباب في المخيمات الفلسطينية، وأشار إلى رفض الشابات للتسلّط الذكوري من قبل أبائهنّ وأخوتهنّ خاصّةً لجهة تقليص مساحة حرية المرأة في ممارسة خياراتها الاجتماعية. كما أشار إلى سيطرة التقاليد الاجتماعية التي تفرض هيمنة الأهل على خيارات أولادهم الاجتماعية (تكوين الرفقة والأصحاب ومعاشرتهم) يرافقها غياب للحوار. وأضاف أبو شديد أن تجسيد إرث التضامن والاحترام في ثقافة الجماعة الفلسطينية، يُعتبر صمام أمان لدور الأسرة في مقاومة التهميش. واستنتج أن العلاقات الأسرية السيئة تشكّل تحديًّا لهرمية العلاقات القائمة بين الأهل وأولادهم وهي ناتجة عن العديد من العوامل منها الفقر وأوضاع اجتماعية داخل الأسرة.
من ثم عرضت د. غادة جوني، نتائج بحثها عن الحياة الأسرية عند الشباب في التجمّعات السورية فذكرت أن الشباب السوريين تحدثوا كثيرًا عن الوضع الاقتصادي السيء الذي يعانون منه وعن انعكاسات هذا الوضع عليهم من النواحي النفسية ولجهة المشاكل العائلية والتعليمية والصحّية. كما توقف الشباب عند ما تعاني منه علاقاتهم الأسرية من خلافات ومشاكل وعنف وسلطة ذكورية. وأضافت أنه كان بارزًا أن هؤلاء الشباب يتعاملون مع الوضع الاقتصادي بمزيج من التقبل والرفض ويتفاعلون معه من خلال البحث عن عمل والمشاركة في المصروف وحسن إدارة المصروف الشخصي والتعلم من التجربة. أما لجهة علاقتهم بالأصدقاء مقابل علاقتهم بالأهل، فهناك مشاكل مع أهلهم بسبب الأصحاب ويعتبر بعضهم أهله متشددًا، لكن في نهاية المطاف يسعون إلى التفاهم مع أهلهم أو الرضوخ لتعليماتهم أو كتمان علاقتهم ببعض الأصدقاء.
من جهتها تناولت د. ماريز يونس وضع الشباب في جيوب الفقر اللبنانية وقد لاحظت أن أغلبية الشباب اللبناني لم يقولوا إن وضعهم الاقتصادي سيئ، بل كانوا ميالين إلى التستّر وعدم التصريح بوضوح واعتماد المسايرة بقولهم إن الوضع "عادي". كانوا كأنهم مقتنعين بما كُتب لهم، متفهمين لواقع الحال، من خلال منظومة قيم تجمع ما بين احترام الأسرة والتسليم بمشيئة الله والإيمان بالقضاء والقدر. بالمقابل تقلّب القليل منهم ما بين القبول والرفض، فيما فضّل بعض ثالث التعبير عن تكيّفه الإيجابي من خلال ضبط المصاريف والمشاركة في توفير الدخل للأسرة ولو أن ذلك تمّ على حساب المدرسة، وبدء العمل في سنّ مبكّر وصل في بعض الحالات إلى العشر سنوات. وقد وصف الشباب اللبناني العلاقات الأسرية بالجيدة، وشكّل التفاهم السمة الأساسية لهذه العلاقة، يليها الاحترام والتضامن وإشارات أقل إلى الحوار والتسلية والمساواة. أما الصورة السلبية فكانت "الخلافات الروتينية" بمعنى المناوشات مقابل كلام أقل عن الصراع والعنف والتسلّط. وبخصوص التوازن بين أصدقائهم وأهلهم لم يكن الأصدقاء المصدر الأول لحياة الشاب الاجتماعية، بل بقي الأهل هم المصدر الأول، فهم المرجعية الأخلاقية والمعيار سواء في تكوين صداقاتهم أو في استمرارها أو في كيفية ممارستهم، وهم الحسيب والرقيب. وعمومًا ظهرت ثنائية في مواقف الشباب اللبناني: موقف مهادن، مساير، يشكّل الالتزام فيه السلوك الأكثر انتشارًا، إما قبولًا واحترامًا، أو رضوخًا وطاعة، أو تجنّبًا للمشكلات، أو العقاب. وموقف رافض يتجلى بالمناوشات والشجارات والنزاعات مع الأهل، مع حالات قليلة من التمرد وخروج عن سلطة الأهل التي قد تصل الى ترك المنزل.
بدَوره، عرض د. الأمين نتائج الدراسة المقارنة التي قام بها للمجموعات السكانيّة الثلاث، وقال إن الشباب يتّجهون في المجموعات السكانية الثلاث إلى التعبير عن وضعهم الاقتصادي السيء، لكنهم يعزون ذلك إلى أوضاع أهلهم بالدرجة الأولى، لجهة العمل (البطالة- قلّة الدخل)، والتشتّت العائلي (طلاق، زواج متعدد)، والوضع الصحّي (أو وفاة أحد الأبوين). أما الأسباب العامة، أي العائدة الى النظام السياسي والظروف الاقتصادية في البلاد فحصّتها لا تصل الى ربع المجموعات التي تطرقت الى هذه النقطة. وهم يتقبلون الوضع، يشاركون في ضبط المصروف، يعملون أو يبحثون عن عمل. أما الرافضون فقلّة وبعض القلّة يتقلب بين الرفض والقبول. ويقول القسم الأكبر من الشباب أن علاقتهم بأهاليهم سيئة، ويتّفقون حول مواضيع هذه المشاكل وأبرزها تسلّط الأهل والأخوة والتحكّم الذي يمارسه الذكور على الإناث. لكن النتيجة النهائية إن في العلاقات السيئة أو في خلافات الشباب مع أفراد الأسرة، أهلًا وأخوة، تتجسد في نهاية المطاف بالرضوخ وبتسويغ موقف الأهل، بل يتقلص الكلام عن أصدقائهم إلى درجة كبيرة.
وأشار الأمين في نهاية المقارنة إلى عدم وجود فروق تذكر بين الجنسيات الثلاث، خاصّةً في ما بتعلق بعلاقتهم بأهلهم وهذا بخلاف ما ظهر في حياتهم المهنية التي تختلف كثيرًا بين جنسية وأخرى. كما أنه لا توجد فروق تذكر بين الجنسين، وكل ما في الأمر أن حديث الشابات يزيد عن الشباب في موضوع مشاكلهم مع أهلهم. والخلاصة الأساسية التي وصل إليها الأمين من هذه المقارنة أن الشباب في المناطق المهمّشة يميلون الى الامتثال للأهل، وما فوق الأهل من بنى اجتماعية وسياسية تقليدية. صحيح أن الأمر يتعلق بما قاله هؤلاء الشباب في صيف العام 2019، لكن النتيجة قوية لدرجة. أنها تسمح بتفسير انحسار الفئات الشعبية بسرعة عن المشاركة في انتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩، وعدم ظهورهم على مسرح الاحتجاجات رغم مرور أكثر من سنة ونصف على بداية الانهيار الاقتصادي وتوسع دائرة التهميش والفقر في لبنان.
بعد انتهاء العروض البحثية عقّب د. علي الموسوي، على العروض التي قدّمت وتركزت تعليقاته حول الجوانب المنهجية، خاصة في ما يتعلق باختيار العيّنة وكيفية إدارة مجموعات التركيز وتسجيل الأجوبة، وتحفّظ على التصنيفات المعتمدة فيها. ورأى الموسوي أن الدراسة ذات طابع وصفي غالب فيها القليل من التحليل ولا يوجد تفسير، خاصّة في ما يتعلّق بالمتغيرات وربطها ببعضها ثم ربطها بالسياق العام.
واختتمت الحلقة الدراسية بطرح أسئلة الحضور والإجابة عليها.